مســـار ‬إسطنبـــول
صاحب المقال: بـونـــــــــوا بـريـفـــــــــي
تاريخ النشر : يونيو 2024

إفتتاحيات أخرى

To access this post, you must purchase إشتراك جانفي/كانون الثاني 2023.

ولكن، ماذا يفعل الصحافيّون والمعلّقون الفرنسيّون الذين عادة ما يكونون مُولَعين ب «الوثائق السّريّة» المتعلّقة بروسيا، وهم المعروفون بتعقّب أيّ «مخطّط خفيّ» من موسكو يهدف إلى تفكيك تماسك المجتمعات الديمقراطيّة، وأيّ «مُندسّ» روسي قابع داخل جهاز الدولة؟ يوم 27 أفريل/نيسان قدّمتْ لهم صحيفة «دي فالت» اليومية الألمانية المحافظة على طبق من الفضّة مشروعا سرّيّا قادما من الشّرق، وهو يُعتبر أحدثَ نسخة من اتّفاقيّة السلام التي كانت محلّ تفاوض بين كلّ من كييف وموسكو في بداية الحرب. ولذلك فهو نصّ هامّ، وكان يمكن لو تمّ اعتماده تجنّبُ عاميْن من المواجهات ومئات الآلاف من القتلى. إلّا أنّ وسائل الإعلام الفرنسية لم تستغلّه استغلالا يُذكَر(1)، ولعل ذلك راجعا الى حرصها على عدم الخوض في مسألة لا يلعب فيها دعاةُ الحرب الغربيّون الدّورَ الأفضل.

في إسطنبول، يوم 29 مارس/آذار 2022، التقى الوفدان الرّوسيّ والأكراني من جديد في جولة جديدة من المفاوضات هي السابعة خلال شهر وفي ظرف عسكري يتميّز بالاضطراب وكان خلاله المعتدي الرّوسيّ يتكبّد أولى انتكاساته. في نهاية المناقشات راح كلّ طرف يُثني على التقدّم «المعتبر» ويُبدي تفاؤله. فقد فتحت كييف المجالَ أمام القبول بموقف التزام الحياد، بينما دعت موسكو الى وقف لإطلاق النّار. ولكنّ المناقشات تعطّلت لأسباب لا تزال محلّ جدل، وقد أوردت وثيقة «دي فالت» بعض التّدقيقات في هذا الشأن.

بحسب الرّواية الرّسميّة فإنّ الكشف عن مجازر بوتشا خلال الأيام الأولى من شهر أفريل / نيسان هو الذي غيّر الوضع، إذ أقتنع الرئيس فولودومير زيلنسكي بأنه لم يَعُد بإمكانه مواصلة التفاوض مع «من ارتكب عملية إبادة جماعيّة «، ولكنّ الواقع أنّ المناقشات استمرّت عبر الفيديو على امتداد خمسة عشر يوما تقريبا بعد اكتشاف جرائم الحرب هذه الى حدود تاريخ 15 أفريل/ نيسان، وكانا أسبوعين من الأخذ والرّدّ تحوّلت خلالهما الخطوط العريضة التي تمّ ضبطُها في إسطنبول إلى نصّ مفصّل يبلغ طوله سبع عشرة صفحة .ومن قراءته نقف على أولويّات الطّرفين وعلى مدى التنازلات التي كانا على استعداد لتقديمها بغاية وضع حدّ للمعارك.

وبدلا من تحقيق عمليّات استيلاء على أرض المعركة كانت روسيا تسعى بالدرجة الأولى الى الحصول على ضمانات أمنية على حدودها من خلال التركيز منذ البند الأوّل على «الحياد الدّائم» لأكرانيا التي ينبغي عليها بمقتضاه الامتناع عن عقد أيّ تحالف عسكري، وأن تمنع تواجد قوّات أجنبية على أراضيها، وأن تقلّص من ترسانة أسلحتها، مع الاحتفاظ بإمكانيّة الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل تنصّ الاتفاقيّة على أن تتعهّد موسكو بسحب قوّاتها من المناطق التي احتلّتها منذ تاريخ 24 فيفري/شباط، وبعدم مهاجمة أكرانيا مطلقا، كما يبدو أنها وافقت، ضمانا لهذا الالتزام، على آليّة المساعدة التي طالبت بها كييف والمتمثّلة في أنه في حال تعرّض أكرانيا للاعتداء فإنّ أعضاء مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتّحدة ملتزمون بالدفاع عنها.

لماذا لجأ الأكرانيّون في الختام الى الانسحاب من طاولة المفاوضات على الرغم من أنهم كانوا قد واصلوا التفاوض رغم اكتشاف بوتشا، ورغم أنه بدا أن السلام كان في متناول اليد؟ على مدى عامين تشير الأمارات الى مسؤولية الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة اللتين كانتا واثقتيْن كثيرا من هزيمة موسكو، ولذلك رفضتا بشدّة جهاز الحماية كما تصوّره المفاوضون. وقد روى في الآونة الأخيرة دافيد أراخميا كبير المفاوضين الأكرانيين قائلا» عندما عدنا من إسطنبول وصل بوريس جنسن الى كييف [يوم 9 أفريل / نيسان] وقال «لن نوقّع أيّ شيء [مع الرّوس]، دعونا نواصل القتال»(2)، وهي رواية أنكرها المعني بالأمر، إلّا أنّ تحقيقا أجرته صحيفة وول ستريت جورنال أثبت صحّتَها(3).

أمّا وسائل الاعلام الفرنسية فإنها مصروفة الأنظار عن هذا تماما.

 

 

1) بوصفها مشاركة في المجمّع الذي أصدر هذا الكشف نشرت جريدة لوفيغارو ترجمة للمقال الصادر في «دي فالت» على موقعها على الانترنت، ثم جرى تناقل المعلومة بإيجاز عبر مواقع كلّ من «ميدي ليبر» و«لا ديباش دي ميدي» و«الباريزيان».

2) ورد ذكره في : أولينا روشّينا، «زعيم الحزب الرئيسي في أكرانيا يزعم أن روسيا اقترحت «السلام مقابل الحياد»، أكرانيسكا برافدا ،24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

3) يروسلاف تروفيموف،»هل أضاعت أكرانيا فرصة مبكّرة للتفاوض على السلام مع روسيا؟»، وول ستريت جورنال، 5 جانفي/كانون الثاني 2024.

 

إشتراك سنوي + 24 أخر عدد

إشتراك سنوي

إشتراك سنوي

العدد الحالي

العدد الحالي

إقتناء العدد الحالي فقط

Share This